الرسامة الحزينة
La Triste Peintre
"ردت ليلى الباب وراءها وألقت نظرة على غرفة المرسم. عشقت الأشكال والألوان منذ طفولتها المبكرة حتى أن معلمات الحضانة انبهرن بما تبدعه أناملها من رسوم وتشكيلات، وأقمن معرضا خاصا لإبداعاتها تنبأ لها كل من شاهده بأن نجمها سوف يلمع في سماء الفن.
ليس المكان مرسما بالمعنى الدقيق. هو إحدى غرف الطابق العلوي طلتها بالبنفسجي لونها المفضل بخلاف لون جدران الفيلا الذهبية واستعملتها كمرسم. عشرون لوحة زيتية وبالفحم وبالباستيل معلقة بعناية على الجدارين الأيمن والأيسر في صفين متقابلين، بينما بقي الجدار ذو الشرفة الواسعة المطلة على الحديقة وجدار باب الغرفة عاريين. أما اللوحات الأخرى بإطار ودون إطار فتكدست بعضها فوق بعض على اليمين وعلى اليسار، في الأرض وفوق الخزانة الخشبية البنفسجية الصغيرة، وفي كل مكان من الغرفة.
بدأت ليلى تضع الرتوش الأخيرة على اللوحة الزيتية الموضوعة على الحامل والتي تمثلها شخصيا، ثم ابتعدت عنها قليلا وتأملتها. أخرجت بعد ذلك من الخزانة لوحة زيتية صغيرة وضعتها على الحامل بجانب الأخرى وبدأت تتأملهما مليا.
اللوحتان تمثلانها، لكن الفرق بينهما ستة وعشرون عاما. اللوحة الصغيرة مؤرخة في 10 جوان 1981 وبتوقيع صاحبها الأخضر صلاح الدين. عادت بها الذاكرة إلى الوراء. تعرفت على الأخضر صلاح الدين في أحد المعارض الفنية التي شارك فيها وأعجبت برسومه وناقشته فيها. حدث بينهما استلطاف وإعجاب متبادل تحول إلى حب جارف ارتطم برفض أبيها طلب الزواج الذي تقدم به الأخضر. قررت الارتباط به رغم ذلك، إلا أنه اختفى بعد أن ترك في بطنها جنينا وأرسل إليها رسالة وقحة يتنصل فيها من تعهده.
ما أعمق الفرق بين اللوحتين! اللوحة الصغيرة مشرقة بألوانها الحارة الزاهية الخضراء والحمراء والبيضاء، تظهر صبية رائعة الجمال بعينيها الخضراوين الذكيتين اللامعتين ووجنتيها الموردتين وشعرها الذهبي وبسمتها الجذابة، بينما تظهر الثانية بألوانها السوداء والرمادية والصفراء وجها مهدودا مكدودا، وعينين باهتتين، ووجنتين ذابلتين، ونظرة تائهة، وشعرا لا لون واضحا له وإن لم يعله الشيب. إنه ليس فرقا في الزمن فحسب بل في الروح والمزاج والنظرة إلى الحياة. تلك الروح الطافحة بالفتوة والعنفوان تختلف عن هذه الروح الكئيبة المستسلمة.
تنهدت ليلى وزفرت زفرة حارة وقالت في نفسها: "لم يمكني حظي التعيس من تحقيق أي حلم في حياتي. لم أخفق في الحب وحده ولكن في كل أمنياتي". كان حلمها بعد زواجها أن تفتح ورشة لصياغة المجوهرات. كان خالها صائغا عمل منذ صغره عند أحد صياغ العاصمة وتزوج ابنته ثم فتح محلا لحسابه. وكانت ليلى متعلقة به. لم ينجب أولادا فتعلق بها. كان يصطحبها إلى محله فبدأت وهي الفنانة الموهوبة تراقبه وهو يعمل وتتعلم منه. وحين كبرت بدأت تعمل معه وتساعده في أوقات فراغها، حتى أصبحت مصممة وصائغة محترفة. استطاعت أن تستوحي من مجوهرات الأميرات الحماديات والزيانيات ومجوهرات خداوج العمياء، فمزجت التراث بالعصر بذوق رفيع وحرفية راقية أدهشت زبائن خالها. كانت أصابعها الساحرة تصنع الألق والبريق وتبعث الحياة في الذهب والبلاتين والماس والأحجار الكريمة الأخرى وتنطقها بما تبثه فيها من أشكال الفراشات والزهور والعصافير والغزلان التي تميز أعمالها.
أصبح عشقها للمجوهرات والتصميم أمرا جوهريا في حياتها، فكانت تهرب من حياتها الجافة القاحلة مع زوجها ومن انتقادات ابنتها وسخطها عليها إلى العمل الفني. لكن وفاة خالها وقرار أخيه أن يبيع المحل كان بمثابة الضربة القاضية التي تلقتها بعد عدة ضربات موجعات. ويضاف إلى كل ذلك رفض زوجها رفضا باتا فكرة فتح ورشة خاصة بإنتاجها فهو رجل أعمال مرموق ولا يصح أن تكون زوجته بائعة مجوهرات، ففي ذلك إهانة له.
استعاضت عن ذلك بالرسم، ومنعها زوجها من الاتصال بالفنانين وزيارة المعارض، واشترط عليها أن تمارس هوايتها وحدها وفي دارها. والفن كالنبات لا ينمو في بيئة مجدبة محرومة، وإن نما فإنما يكون نباتا ذابلا. وهكذا كانت لوحات ليلى كئيبة حزينة يغلب عليها اللونان الأسود والرمادي وتمثل وجوها شاحبة وطبيعة ذابلة ومشاهد موحشة وكئيبة.
"القاضية والملياردير" – "الخيط الثالث"
الأسئلة:
1- متى ظهرت مواهب ليلى الفنية؟ ومن اكتشفها؟ وكيف شجعها؟
2- أين تمارس ليلى عملها الفني؟
3- ما الفروق بين اللوحتين اللتين تمثلانها؟ وما الذي تنبئك به كل لوحة عن مظهرها الجسمي ومزاجها ونظرتها إلى الحياة؟
4- ماذا كان حلم ليلى الفني؟ وهل استطاعت تحقيقه؟
5- لماذا نجحت ليلى في تصميم وصياغة الجوهرات؟
6- لماذا رفض زوجها فتح ورشة خاصة بها لصياغة المجوهرات؟ وما الذي اشترطه عليها لممارسة هواية الرسم؟
7- هل توافق الكاتب أم تعارضه في قوله: "الفن كالنبات لا ينمو في بيئة مجدبة محرومة، وإن نما فإنما يكون نباتا ذابلا". وضح رأيك وعلله.
8- هل هناك اهتمام في مدارسنا بالفنون الجميلة وباكتشاف المواهب وتشجيعها منذ الصغر؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، أورد أمثلة عن ذلك.
9- ما المهارات الجسمية والعقلية التي يجنيها الطفل من تعلم مادة الرسم؟ وما تأثيرها في ذوقه ووجدانه؟
10- هل تفضل الرسم بالقلم الرصاص أو بأقلام الباستيل أو بالألوان المائية؟ حاول أن تعرف ميزة كل منها.
11- هل هناك مجلة أو مجلات للأطفال في بلدك؟ وهل تعرف أسماء الفنانين الذين يعدون أشرطة الرسوم التي ترافقها؟
12- ما الفرق بين الرسم العادي ورسم الكاريكاتير؟ وأين يكثر استعمال هذا النوع من الرسوم؟ ولماذا؟
13- اذكر بعض أسماء الفنانين التشكيليين في وطنك ثم في مدينتك وحيك، واذكر أهم لوحاتهم.